بسم الله الرحمن الرحيم
بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
[العنكبوت: 49]
طريقة إبداعية
لحفظ القرآن الكريم
تأليف عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.comقرأت الكثير من الكتب والمقالات والأبحاث ....
وتأثَّرتُ بالكثير من الشخصيات والأحداث والظروف...
وتعلَّمتُ الكثير من الأشياء في حياتي...
ولكن الشيء الوحيد الذي غيَّر حياتي بالكامل هو:
حفظ القرآن الكريم ....
فكل ما أنا فيه اليوم من إبداع واكتشافات وكتابات وسعادة لا توصف وراحة فكرية لا تُقدَّر بثمن كان سببها حفظ القرآن...
ولذلك فإن أول وآخر نصيحة أنصحها وأتمنَّاها لكم أن تقوموا بهذه التجربة الرائعة ... تجربة حفظ القرآن الكريم ... فقد تكون قراءتكم لهذا الكتيب البسيط سبباً في إحداث تغيير كامل في حياتكم ... فإذا قررتم فعل ذلك ونجَحتم فلا تنسوني من دعائكم...
أخي المؤمن ... أختي المؤمنة
فيما يلي خطوات عملية في برنامج متكامل لحفظ القرآن الكريم من دون معلم، ومن خلال عدة دروس فقط سوف نعيش مع طريقة ممتعة وسهلة تساعدنا على الحفظ والتدبر وإعادة برمجة حياتنا على ضوء كتاب الله تعالى.
فمَن منا لا يتمنى أن يحفظ كتاب الله تعالى كاملاً؟ من منا لا يحلم بأن يكون القرآن العظيم رفيقه في حياته الدنيا؟ ومن منا لا يرضى بأن يكون القرآن نوراً له في ظلمات قبره؟ وهل يوجد مؤمن لا يقبل بأن يلقى الله تعالى وهو حافظ لكلام الله؟
الأمنيات كثيرة ولكن تحقيقها ليس بالأمر السهل، هكذا يظن بعض القراء، فالجميع قد مرّ بمحاولة لحفظ القرآن ولكنه سرعان ما نسي ما كان يحفظه، بل هنالك أشخاص عندما يقرأون القرآن لا يكادون يفهمون شيئاً منه.
ولكنني أطمئن الجميع بأن هذه الأفكار غير صحيحة، ومن خلال تجربتي الشخصية فقد وجدتُ بأن أسهل عمل يمكن أن يقوم به المرء هو حفظ آيات من كتاب الله تبارك وتعالى. وهذه ليست تجربتي فقط بل إن كل من حفظ كتاب الله وأتقن تلاوته وأحكامه يخبرك الحقيقة ذاتها.
ولكن إذا كان حفظ القرآن سهلاً لهذه الدرجة فلماذا يعاني كثير من المؤمنين من صعوبة الحفظ؟ وتجد آخرين يشكون سرعة النسيان فما هو الحل؟
قبل كل شيء يجب أن نتذكر قول الله تعالى عن القرآن: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 17]. هذه الآية تؤكد أن القرآن ميسر لكل من أحب أن يتذكر، وتيسير القرآن يشمل تلاوته وحفظه وفهمه وتدبره وعجائبه....
إذن الحقيقة الإلهية التي ينبغي علينا أن ندركها أولاً هي أن الله تعالى سييسر حفظ القرآن لمن نوى نية صادقة على ذلك، وسوف يهيئ له الله الظروف المناسبة لحفظ القرآن إذا عزم على حفظ القرآن وتوجه إلى الله بقلب سليم وطلب منه العون.
مشروع للدنيا والآخرة
في البداية عليك أن تخطط جيداً لهذا المشروع الذي سيغير حياتك بالكامل كما غير حياة من حفظ القرآن من قبلك. والتخطيط السليم لأي مشروع يقتضي منك دراسته جيداً، ودراسة فوائده ونتائجه، ودراسة أقصر طريق لتنفيذه. ومن دون ذلك سوف يكون المشروع غير مثمر، وهذا سبب فشل الكثيرين ممن يحاولون حفظ القرآن، ثم يجدون أنفسهم شيئاً فشيئاً يبتعدون عن القرآن ويصابون بنوع من الإحباط مما يؤدي إلى حدوث حاجز بينهم وبين القرآن.
ولذلك وبعد تفكير طويل في الأسباب الحقيقية التي تجعل عملية حفظ القرآن عملية صعبة للغاية بالنسبة لكثير من الناس وجدتُ بأن الهدف غير موجود لدى هؤلاء، ولذلك من السهل أن يتخلّوا عن حفظ القرآن، لأنهم لم يدركوا الفوائد الحقيقية في الدنيا والآخرة لهذا المشروع الكبير.
ولكن هنالك أسئلة لا بد من الإجابة عنها قبل أن تبدأ بحفظ هذا القرآن، وليكونَ مشروعك مثمراً إن شاء الله! فلكلّ إنسان منا مشاريعه الخاصة في حياته، وقد يكون أفضل عمل تقوم به هو حفظ كتاب الله تعالى.
لماذا أحفظ القرآن؟
هذا سؤال ينبغي عليك أن تتوجه به إلى نفسك، وينبغي أن تكون الإجابة واضحة في ذهنك، فلماذا تحفظ القرآن؟ وكلما كانت فوائد هذا العمل أكثر كلما كانت همَّتك أعلى واستطعت تحقيق الهدف بسهولة، فما هي فوائد حفظ القرآن الكريم؟ ينبغي أن تكون الصورة واضحة لديك أخي القارئ حتى تدرك أهمية الحفظ وفوائده والمنافع التي ستحصل عليها من حفظ القرآن.
فوائد حفظ القرآن الكريم
1- بما أن القرآن هو كلام الله تعالى فإنك عندما تحفظ هذا الكلام في صدرك سيكون ذلك أعظم عمل تقوم به على الإطلاق! لأن حفظ القرآن سيفتح لك أبواب الخير كلها! وتذكَّر أن المهمة الأساسية التي جاء من أجلها سيد البشر صلى الله عليه وسلم هي: القرآن!
2- إن حفظ القرآن يعني أنك تأخذ على كل حرف عشر حسنات! وإذا علمت مثلاً بأن عدد حروف أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر 42 حرفاً، وهذه السورة يمكن قراءتها في خمس ثوانٍ، وهذا يعني أنك كلما قرأتها سوف يزيد رصيدك عند الله تعالى 420 حسنة، وكل حسنة من هذه الحسنات خير من الدنيا وما فيها!! وتأمل كم من الحسنات ستأخذ عندما تقرأ القرآن كله والمؤلف من أكثر من ثلاث مئة ألف حرف!!!
وفكّر معي كم من الحسنات ستكسب عندما تحفظ هذا القرآن، وتكرره باستمرار، حتى يصبح جزءاً من حياتك!
3- القرآن يحوي علوم الدنيا والآخرة، ويحوي قصص الأولين والآخرين، ويحوي الكثير من الحقائق العلمية والكونية والطبية والتشريعية، ويحوي أيضاً كل الأحكام والقوانين والتشريعات التي تنظم حياة المؤمن وتجعله أكثر سعادة. هذا الكتاب العظيم هو الوحيد الذي يخبرك عن قصة حياتك منذ البداية، ويخبرك عن أهم لحظة في حياتك وهي لحظة الموت وما بعدها، ويخبرك بدقة تامة عن يوم القيامة والحياة التي ستكون فيها خالداً إما في الجنة وإما في النار، أعاذنا الله منها..... وهذا يعني أنك عندما تحفظ القرآن إنما تحفظ أكبر موسوعة على الإطلاق!
4- هذا القرآن والذي تحفظه وتحافظ عليه اليوم سيكون رفيقك لحظة الموت!! وسيكون المدافع عنك والشفيع لك يوم يتخلى عنك أقرب الناس إليك. يقول صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة)، وهل هنالك أجمل من لحظة تقابل فيها الله تعالى يوم القيامة وأنت حافظ لكلامه في صدرك؟!
5- عندما تحفظ القرآن سوف تمتلك قوة في أسلوبك بسبب بلاغة آيات القرآن، سوف تصبح أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين والتحمّل والصبر، سوف تكون في سعادة لا توصف، فحفظ القرآن ليس مجرد حفظ لقصيدة شعر أو لقصة وأغنية! بل إنك عندما تحفظ القرآن إنما تُحدث تغييراً في نظرتك لكل شيء من حولك، وسوف يكون سلوكك تابعاً لما تحفظ.
فقد سئلت سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خُلُقه القرآن)!! فإذا أردت أن تكون أخلاقك مثل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليك بحفظ القرآن.
6- القرآن شفاء للأمراض الجسدية والنفسية، فإذا كانت تلاوة الفاتحة على المريض تشفيه بإذن الله، فكيف بمن يحفظ كتاب الله كاملاً؟ سوف تتخلص من الوساوس الشيطانية، سوف تزداد مناعة جسمك للأمراض بسبب التحول الكبير الذي ستمر به أثناء حفظك للقرآن، وهذا الكلام ليس نظرياً بل هو عن تجربة عشتها أنا وغيري ممن حفظوا ولو أجزاء قليلة من كتاب الله تعالى.
وقد أثبتّ في بحث بعنوان: آفاق العلاج بالقرآن، وجود قوة شفائية غريبة في كل آية من آيات هذا الكتاب العظيم.
7- بمجرد أنك قررت أن تحفظ القرآن لن يبقى لديك أي وقت للفراغ أو الملل أو الإحساس بالقلق أو كم حفظتُ، بل كل همِّي كان إرضاء الله عز وجل، وكنتُ أقول دائماً إنني أريد الأجر الكبير من الله والقرب منه سبحانه، وكنتُ أعلم بأن المؤمن قد يحفظ سورة (قل هو الله أحد) ويكون عند الله في أعلى الدرجات بسبب إخلاصه وصدقه مع ربه، وهذا ما يجعل المؤمن أكثر حفظاً لكتاب الله لأن الله يعينه على الحفظ.
وريما سمعنا بقصة ذلك الصحابي الجليل الذي كان يقرأ بـ (قل هو الله أحد) في كل صلاة، فقال له النبي الأعظم ما الذي حملك على ذلك، فقال إني أحب هذه السورة لأن فيها صفة الرحمن، فأخبره النبي الكريم أن الله يحبه أيضاً!
أما الذي يريد حفظ القرآن ليفتخر به ويحصل على شهادة أو إجازة يظهرها للناس، فهذا ولو حفظ القرآن فإن ثوابه سيكون قليلاً، وربما جميعنا يعلم ذلك الرجل الذي أول من تسعّر به النار يوم القيامة، وهو رجل حفظ القرآن وقرأه ليقال عنه قارئ ويفتخر بحفظه أمام الناس ولا يريد وجه الله تعالى، فهذا أخذ الأجر في الدنيا، وليس له في الآخرة من شيء.
إذن أخي الكريم وأختي الكريمة أقول دائماً: إن القليل من الحفظ مع الإخلاص خير من الكثير من الحفظ من دون إخلاص.
كيف أحفظ سورة من القرآن؟
تعتمد الطريقة الجديدة في الحفظ على ثلاثة مراحل:
1- مرحلة سماع القرآن المرتل.
2- مرحلة التفهم والتدبر والتعمق في الكلام الذي نسمعه.
3- مرحلة تثبيت الحفظ من المصحف.
تناولنا فيما سبق أهمية سماع القرآن، والاستماع إلى القرآن له الأثر الأكبر في الحفظ الطويل الأمد. وهذه الطريقة ليست جديدة أو مبتكرة بل هي طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!
فقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يحفظ القرآن بسماعه من جبريل عليه السلام، إذن المرحلة الأولى هي الاستماع وتكرار هذه العملية.
مرحلة تفهم وتدبر والتعمق في الكلام الذي نسمعه
المرحلة الثانية وهي مرحلة مهمة جداً في تسهيل عملية الحفظ وجعلها عملية مشوقة وممتعة، فعندما تتدبر ما سمعته من آيات القرآن وتفهم هذه الآيات بشكل جيد، فإن ذلك سيرسخ هذه الآيات في ذاكرتك لوقت أطول، وسوف تكتشف أشياء جديدة في دلالات الآيات.
ولكن كيف نتدبر القرآن؟ والله تعالى يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]. إن الذي يتأمل هذه الآية يدرك على الفور أن كل من لا يتدبّر القرآن فهو مقفل القلب، وكأن هنالك أقفالاً على قلبه المغلق أمام كلام الله تعالى، نسأل الله تعالى ألا نكون منهم.
إن أفضل طريقة لتثبيت الحفظ هي أن تفهم ما قرأته، وسوف أضرب لك مثلاً على ذلك. في سورة النبأ كنتُ غالباً ما أنسى ترتيب الآيات في المقطع الأول من السورة وهو قوله تعالى في أول 16 آية من هذه السورة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(11)
كنتُ أخطئ في تسلسل هذه الآيات بسبب تشابهها، ولكن عندما تعمقت في المعنى اللغوي لها أدركتُ أن هنالك تسلسلاً علمياً دقيقاً لهذه الآيات!
فنجد أن النوم يُذكر أولاً ثم الليل ثم النهار، لماذا؟ لأن النوم من الممكن أن يكون في النهار أو في الليل، فالإنسان ينام في الليل وقد ينام في النهار، وهو آية عظيمة من آيات الله ونعمة كبيرة، ثم تأتي بعدها نعمة الليل ثم نعمة النهار، وقد تقدم ذكر الليل على النهار لأن الليل هو الأصل، وغالباً في القرآن يأتي الليل أولاً، أي يأتي ذكر الليل قبل ذكر النهار، وهكذا أصبح ترتيب الآيات الثلاث كما يلي: النوم – الليل – النهار، وأصبحتُ لا أخطئ أبداً في تلاوة هذه الآيات وذلك بسب ربط معنى هذه الآيات بالحقائق العلمية.
كذلك كنتُ أخطئ في ترتيب هذه الآيات أيضاً:
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
فكنتُ أحياناً لا أعرف ما هي الآية التي سأقرؤها أولاً وما هي الآية التالية، ولكن عندما تعمقتُ في الدلالات العلمية لهذه الآيات أصبحت سهلة الحفظ ولم أعد أخطئ في ترتيبها.
فالآية الأولى (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) هذه الآية تتحدث عن خلق السموات السبع فهي شديدة البناء ومحكمة، ثم يأتي الحديث عن السراج الوهاج وهو الشمس، لأن الشمس قد ثبُت يقيناً أنها عبارة عن فرن نووي ملتهب يحرق الوقود النووي ويبث الحرارة والضوء تماماً مثل السراج الذي كان القدماء يستخدمونه في الإضاءة.
ثم يأتي ذكر المعصرات وهي الغيوم حيث ينزل الله منها المطر الغزير، وهنا توجد لفتة علمية رائعة، فالشمس هي التي تبخر ماء البحر أولاً ثم يتكثف هذا الماء على شكل غيوم وينزل المطر، ولذلك ذكر الله الشمس أولاً ثم المطر ثانياً: (سِرَاجًا وَهَّاجًا) ثم (مَاءً ثَجَّاجًا) وهذا الترتيب مطابق للواقع العلمي، ولذلك لم يعد هنالك أي احتمال للخطأ في ترتيب هذه الآيات، كذلك فإن هذا الفهم العميق للآيات يسَّر لنا الحفظ وعدم النسيان.
ولذلك يمكنني أن أقول لكم إخوتي وأخواتي: إن أفضل أسلوب لحفظ القرآن وعدم نسيانه وتثبيته هو أن نفهم هذه الآيات بعمق أكبر، وكلما فهمنا الآيات أكثر ازددنا إيماناً بهذه الآيات وازددنا حفظاً لها.
مرحلة تثبيت الحفظ من المصحف
أما المرحلة الثالثة فهي تثبيت الحفظ من المصحف، فبعدما استمعنا إلى السورة العديد من المرات وأصبحت مألوفة بالنسبة لنا، وبعدما فهمنا معاني كلماتها من خلال ما تيسر من تفاسير أو سؤال العلماء، نقوم الآن بقراءة هذه السورة كما يلي:
1- نقوم أولاً بقراءة هذه السورة كاملة ثلاث أو أربع مرات.
2- ثم نقوم بتجزيء هذه السورة لمقاطع، وكل مقطع يتألف من عدة آيات حسب المعنى اللغوي وارتباط المقاطع بعضها ببعض.
3- قراءة المقطع الأول عدة مرات حتى يتم حفظه، ثم قراءة المقطع الثاني كذلك عدة مرات حتى يُحفظ، ثم قراءة المقطع الثالث وتكراره عدة مرات حتى تشعر بأنك حفظته.
4- الآن يجب ربط هذه المقاطع، فتقرأ المقطعين الأول والثاني عدة مرات حتى الحفظ، ثم تقرأ المقطعين الثالث والرابع حتى الحفظ.
5- ثم تقرأ المقاطع الأربعة معاً وتحفظها وتثبتها.
6- وأخيراً تنتقل إلى المقطع الخامس وهكذا حتى تنتهي من حفظ السورة.
مثال عملي من سورة النمل
1- المرحلة الأولى: كما قلنا يجب علينا أن نستمع لسورة النمل كل يوم عدة مرات، وذلك لمدة لا تقل عن أسبوع مثلاً أو أكثر.
2- المرحلة الثانية: نحاول أن نفهم كل كلمة من كلمات هذه السورة. أي أننا ونحن نستمع لهذه السورة نحاول أن نعيش معها وأن نفكر في معانيها، في دلالاتها، في أهدافها، لماذا أنزلها الله، وما هي الحكمة من ذلك، وماذا استفدنا من الاستماع إليها... وهكذا.
3- المرحلة الثالثة تثبيت الحفظ من المصحف مباشرة.
سوف نعيش الآن في رحاب مقدمة سورة النمل، وقد سمّيت هذه السورة بالنمل لأنها السورة الوحيدة التي ذُكر فيها النمل في القرآن. وقبل تعلم كيفية الحفظ يجب أن نتعرف على قصة سيدنا سليمان من خلال هذه السورة بأسلوب ميسر.
قصة سليمان عليه السلام
لقد كان من ضمن جنود سليمان طائر اسمه «الهدهد»، وقد غاب هذا الطائر وذهب بعيداً وجاء سليمان عليه السلام ليسأل عنه فلم يجده فقال سوف أعذّبه عذاباً شديداً لأنه ذهب من غير أوامري، إلا إذا جاء هذا الهدهد بخبر أو معلومات مهمة وصحيحة.
ولم تمضِ إلا لحظات حتى عاد الهدهد وحضر أمام سليمان عليه السلام فقال الهدهد: لقد علمت أشياء جديدة لم تعلمها أنت أيها الملك. فقال الملك سليمان: ما هي هذه المعلومات الجديدة التي لا أعلمها؟
فقال الهدهد لقد ذهبتُ إلى مدينة سبأ، ووجدت هناك قوماً يسجدون للشمس ولا يؤمنون بالله. وعندهم ملكة لها عرش عظيم مزيّن بالذهب والفضة والجواهر. ثم يتابع الهدهد قوله إن هؤلاء الكفار لا يسجدون لله تعالى، والله عزّ وجلّ هو الذي يعلم أسرار السماوات والأرض ويعلم كل شيء.
فيقول سليمان عليه السلام سوف ننظر في قولك هذا، ولكن يجب عليك أن تعود إليهم وتحمل رسالة معك، وهذه الرسالة سوف أدعوهم فيها للإيمان بالله تعالى وأن يتركوا عبادة الشمس.
ذهب الهدهد إلى سبأ حاملاً رسالة الملك سليمان عليه السلام، وعندما وصل إلى قصر الملكة ألقى هذه الرسالة بالقرب منه، فجاء أحد الجنود وأخذ الرسالة وأعطاها للملكة. جمعت الملكة الوزراء وقالت لهم: لقد جاءني كتاب من الملك سليمان، إنه كتاب كريم ويبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ويطلب منا أن نسلم ونترك آلهتنا الشمس. فماذا تنصحونني أن أفعل؟
ويقول الوزراء: إننا أقوياء ولن يستطيع الملك سليمان أن يتغلّب علينا. تقول لهم الملكة: إن هذا الملك قوي جداً ويستطيع أن يتغلب علينا، والملوك عندما يدخلون قرية فإنهم يخرِّبونها ويذلّون أهلها. ولذلك فإنني أرى أن نرسل له هدية عسى أن يقتنع ويكفّ عن الهجوم علينا.
لقد أرسلت الملكة الهدية والتي هي عبارة عن الجواهر والذهب وأشياء ثمينة جداً، ولكن الهدهد سمع قول الملكة ورجع إلى سليمان وأبلغه بذلك وقال: إن الملكة سترسل إليك هدية.
وعندما جاءت الهدية لسليمان، رفض الهدية، وقال: أتعطونني مالاً؟ لقد أعطاني الله أشياء أفضل مما عندكم، إنكم أنتم تفرحون بالهدية أما أنا فلا أفرح إلا بهدية الله تعالى وكَرَمه ورحمته.
ثم قال سليمان عليه السلام: ارجع إليهم فسوف نأتيهم بجنود لا يستطيعون مقاومتهم، وسوف نخرجهم من قريتهم وهم أذلّة. ويرجع الجنود بالهدية إلى ملكتهم ويخبرونها بما حدث ويقولون إن الملك سليمان سوف يرسل إلينا جنوداً ليخرجونا من قريتنا، فماذا تأمريننا أن نفعل؟ وكيف نتصرّف في هذا الموقف؟
التطبيق العملي للحفظ
والآن لنكتب الجزء الأول من هذه السورة (من الآية 1 وحتى الآية 44) ونقوم بتجزئته إلى سبعة مقاطع يبدأ المقطع الأول بالحديث عن القرآن وعن صفات المؤمنين، وهو بمثابة مقدمة للسورة.
ثم يأتي المقطع الثاني حيث يحدثنا الله تعالى عن قصة سيدنا موسى باختصار عندما ناداه الله في الوادي المقدس وأعطاه معجزات ليذهب بها إلى فرعون ويدعوه إلى الإيمان بالله تعالى، ولكن فرعون رفض دعوة موسى واتهمه بالسحر، ولذلك أخذه الله فأغرقه في البحر، ونصر سيدنا موسى ومن آمن معه.
والآن لنكتب هذه المقاطع:
المقطع الأول:
مقدمة السورة والحديث عن القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
المقطع الثاني:
الحديث عن قصة موسى عليه السلام
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
المقطع الثالث:
الحديث عن قصة سليمان عليه السلام والنمل